فصل: ومن باب النهي عن النذر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الكفارة قبل الحنث:

قال أبو داود: حدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير».
قال الشيخ: فيه دليل على جواز تقديم الكفارة على الحنث وهو قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم. وهو مذهب الحسن البصري وابن سيرين، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق؛ إلاّ أن الشافعي قال وإن كفر بالصوم قبل الحنث لم يجزه وإن كفر بالطعام أجزأه.
واحتج أصحابه في ذلك بأن الصيام مرتب على الإطعام فلا يجوز إلاّ مع عدم الأصل كالتيمم لما كان مرتبًا على الماء لم يجز إلاّ مع عدم الماء.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تجزيه الكفارة قبل الحنث على وجه من الوجوه لأنها لا تجب عليه بنفس اليمين وإنما يكون وجوبها بالحنث وأجازوا تقديم الزكاة قبل الحول، ولم يجوز مالك تقديمها قبل الحول كما جوز تقديم الكفارة قبل الحنث وأجازهما الشافعي معًا على الوجه الذي ذكرته لك.

.ومن باب الرقبة المؤمنة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف حدثنا يحيى بن أبي بكير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: «قلت يا رسول الله جارية لي صككتها صكة فعظم ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أفلا أعتقها؛ قال ائتني بها، قال فجئت بها، فقال أين الله، قالت في السماء، قال من أنا، قالت أنت رسول الله، قال أعتقها فإنها مؤمنة».
قال الشيخ: قوله: «أعتقها فإنها مؤمنة» خرج مخرج التعليل في كون الرقبة مجزية في الكفارات بشرط الإيمان لأن معقولًا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بعتقها على سبيل الكفارة عن ضربها، ثم اشترط أن تكون مؤمنة فكذلك في كل كفارة.
وقد اختلف الناس في هذا فقال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد لا يجزيه إلاّ رقبة مؤمنة في شيء من الكفارات.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجزيه غير المؤمنة إلاّ في كفارة القتل، وحكي ذلك عن عطاء أيضًا.

.ومن باب يستثني في اليمين من بعد ما سكت:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله لأغزون قريشًا والله لأغزون قريشًا والله لأغزون قريشًا، ثم قال إن شاء الله».
قال أبو داود قد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك بإسناد أسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ: في هذا دليل على أن الاستثناء المعقب به الفصول المتصلة من الكلام راجعة إلى جميع ما تقدم منها.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا حلف بالله وبالحج والعمرة ثم استثنى كان الاستثناء عامًا فيها كلها، فأما إذا قال عبدي حر إن كلمت فلانًا عبدي الآخر حر إن كلمت فلانًا إن شاء الله ثم كلمه فإن عبده في اليمين الأولى حر في القضاء ولا يدين في ذلك إلاّ فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك لو قال لامرأته إن كلمت فلانًا فأنت طالق إن كلمت فلانًا فأنت طالق إن شاء الله، ثم كلمت فلانًا كانت التطليقة الأولى واقعة عليها في القضاء إذا كلمت فلان. فأما فيما بينه وبين الله فلا يقع عليها.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن بشر عن مسعر عن سماك عن عكرمة يرفعه قال: «والله لأغزون قريشًا ثم قال إن شاء الله، ثم قال والله لأغزون قريشًا إن شاء الله ثم قال والله لأغزون قريشًا ثم سكت ثم قال إن شاء الله».
قال الشيخ لم يختلف العلماء في أن استثناءه إذا كان متصلًا بيمينه فإنه لا يلزمه كفارة. وقال بعضهم له أن يستثني ما دام في مجلسه روي ذلك عن طاوس والحسن البصري.
وقال قتادة إذا استثنى قبل أن يقوم أو يتكلم فله ثنياه.
وقال أحمد بن حنبل يكون الاستثناء مادام في ذلك الأمر، وعن ابن عباس أنه قال. له استثناؤه بعد حين.
وعن مجاهد له أن يستثني بعد سنين وعن سعيد بن جبير بعد أربعة أشهر.
قلت: وعامة أهل العلم على خلاف قول ابن عباس وأصحابه ولو كان الأمر على ما ذهبوا إليه لكان للحالف المخرج من يمينه حتى لا يلزمه كفارة بحال، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه».

.كتاب النذر:

.ومن باب النهي عن النذر:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن عبد الله بن مرة قال عثمان الهمداني عن عبد الله بن عمر قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر ثم اتفقا ويقول أنه لا يرد شيئًا وإنما يستخرج به من البخيل».
قال الشيخ: معنى نهيه عن النذر إنما هو تأكيد لأمره وتحذير التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي عنه قد صار معصية فلا يلزم الوفاء به، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم في العاجل نفعًا، ولا يصرف عنهم ضرًا، ولا يرد شيئًا قضاه الله. يقول فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدره الله لكم أو تصرفون عن أنفسكم شيئًا جرى القضاء به عليكم، فإذا فعلتم فاخرجوا عنه بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم، هذا معنى الحديث ووجهه.
وقد أجمع المسلمون على وجوب النذر إذا لم يكن معصية ويؤكده قوله: «أنه يستخرج به من البخيل» فيثبت بذلك وجوب استخراجه من ماله ولو كان غير لازم لم يجز أن يكره عليه والله أعلم.
وفي قوله: «إنه لا يرد شيئًا» دليل على أن النذر إنما يصح إذا كان معلقًا بشيء كما تقول إن شفا الله مريضي فلله عليّ أن أتصدق بألف درهم أو أن يقدم غائبي أو يسلم مالي أو نحو ذلك من الأمور.
فأما إذا قال لله علي أن أتصدق بألف درهم فليس هذا بنذر، وإلى هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه وهو غالب مذهبه.
وحكى أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى قال النذر وعد بشرط.
وقال أبو حنيفة النذر لازم وإن لم يعلق بشرط.

.ومن باب النذر في معصية:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».
قال الشيخ: في هذا بيان أن النذر في المعصية غير لازم وإن صاحبه منهي عن الوفاء به، وإذا كان كذلك لم تجب فيه كفارة ولو كان فيه كفارة لأشبه أن يجري ذكرها في الحديث وأن يوجد بيانها مقرونًا به، وهذا على مذهب مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري إذا نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، واحتجوا في ذلك بحديث الزهري وقد رواه أبو داود في هذا الباب.
قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري، عَن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين».
قال الشيخ: لو صح هذا الحديث لكان القول به واجبًا والمصير إليه لازمًا إلاّ أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب وهم فيه سليمان بن أرقم فرواه عن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سلمة عن عائشة فحمله عن الزهري وأرسله، عَن أبي سلمة ولم يذكر فيه سليمان بن أرقم ولا يحيى بن أبي كثير.
وبيان ذلك ما رواه أبو داود حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا أيوب بن سليمان، عَن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال، عَن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم أن يحيى بن أبي كثير أخبره، عَن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
قال أبو داود: قال أحمد وإنما الحديث حديث ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم فوهم فيه سليمان بن أرقم.
قلت: وقالوا إن محمد بن الزبير هو الحنظلي وأبوه مجهول لا يعرف والحديث من طريق الزهري مقلوب، ومن هذا الطريق فيه رجل مجهول فالاحتجاج به ساقط والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري حدثني عبيد الله بن زحران أنبأنا سعيد وهو الرعيني أخبره أن عبد الله بن مالك أخبره أن عقبة بن عامر أخبره «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة فقال مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام».
قال الشيخ: أن أمره إياها بالاختمار فلأن النذر لم ينعقد فيه لأن ذلك معصية والنساء مأمورات بالاختمار والاستتار، وأما نذرها المشي حافية فالمشي قد يصح فيه النذر على صاحبه أن يمشي ما قدر عليه فإذا عجز ركب وأهدى هديًا.
وقد يحتمل أن تكون أخت عقبة كانت عاجزة عن المشي بل قد روي ذلك من رواية ابن عباس رضي الله عنه وقد ذكره أبو داود.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن مطر عن عكرمة عن ابن عباس «أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لغنى عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة».
قال الشيخ: فأما قوله: «فلتصم ثلاثة أيام» فإن الصيام بدل من الهدي خيرت فيه كما خير قاتل الصيد أن يفديه بمثله إذا كان له مثل وإن شاء قومه وأخرجه إلى المساكين وإن شاء صام بدل كل مد من الطعام يومًا وذلك قوله سبحانه وتعالى: {أو عدل ذلك صيامًا} [المائدة: 95] والله أعلم.
وقد اختلف الناس فيمن نذر المشي إلى بيت الله فقال الشافعي يمشي إن أطاق المشي فإن عجز أراق دمًا وركب.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يركب ويريق دمًا سواء أطاق أو لم يطق.

.ومن باب النذر فيما لا يملك:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب، عَن أبي قلابة عن ابن المهلب عن عمران بن حصين قال: «كانت العضباء لرجل من عقيل وكانت من سوابق الحاج قال فأسر فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو في وثق والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة فقال يا محمد علام تأخذني وتأخذ سابقة الحاج قال نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال وقد قال فيما قال وأنا مسلم أو قال قد أسلمت فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عيسى ثم ناداه يا محمد يا محمد قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا، فرجع إليه فقال ما شأنك؟ قال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم رجعت إلى حديث سليمان فقال يا محمد إني جائع فأطعمني إني ظمآن فاسقني، قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه حاجتك أو قال هذه حاجته، قال فودي الرجل بعد بالرجلين قال وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا به وذهبوا بالعضباء، قال فلما ذهبوا به وأسروا امرأة أبي ذر، قال وكانوا إذا كانوا من الليل يريحون إبلهم فبم في أفنيتهم، قال فنوموا ليلة فقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلاّ رغا حتى أتت العضباء، قال فأتت على ناقة دلول مجرَّشة.
قال ابن عيسى فلم ترغ فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها لتنحرنها، قال فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إليها فجيء بها وأخبر بنذرها، فقال بئس ما جزرتها أو جزيتها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم»
.
قال الشيخ: قوله: «أخذت بجريرة حلفائك ثقيف» اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم هذا يدل على أنهم كانوا عاقدوا بني عقيل أن لا يعرضوا للمسلمين ولا أحد من حلفائهم فنقض حلفاؤهم العهد ولم ينكره بنو عقيل فأخذوا بجريرتهم.
وقال آخرون هذا رجل كافر لا عهد له، وقد يجوز أخذه وأسره وقتله؛ فإذا جاز أن يؤخذ بجريحة نفسه وهي كافرة جاز أن يؤخذ بجريرة غيره ممن كان على مثل حاله من حليف وغيره.
ويحكى معنى هذا عن الشافعي، وفيه وجه ثالث وهو أن يكون في الكلام إضمار يريد أنك إنما أخذت ليدفع بك جريرة حلفائك ثقيف فيفدى بك الأسراء الذين أسرهم ثقيف، ألا تراه يقول ففودي الرجل بعد بالرجلين.
وقوله إني مسلم ثم لم يخله النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك لكنه رده إلى دار الكفر فإنه يتأول على أنه قد كان أطلعه الله سبحانه على كذبه وأعلمه أنه تكلم به على التقية دون الإخلاص، ألا تراه يقول له هذه حاجتك حين قال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني، وليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال الكافر إني مسلم قبل منه إسلامه ووكلت سريرته إلى ربه وقد انقطع الوحي وانسد علم باب الغيب.
وقوله: «لو كنت قلت ذلك وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح» يريد أنك لو تكلمت بكلمة الإسلام طائعًا راغبًا فيه قبل الأسار أفلحت في الدنيا بالخلاص من الرق وأفلحت في الآخرة بالنجاة من النار.
وفيه دليل على أن المسلم إذا حاز الكافر ماله ثم ظفر به المسلمون فإنه يرد إلى صاحبه المسلم ولا يغنمه آخذه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم».
قوله: مجرَّشة معناها الوطية المذللة، يقال فلان جرشته الأمور أي راضته وذللته.
وفي الحديث دليل على أن النهي عن أن تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم إنما جاء في الأسفار المباحة دون السفر الواجب اللازم لها بحق الدين.